يقول جحا كنت جالسا ذات يوم في مجلس احد الملوك , فأراد أن يسخر مني فقال لي :
هل تستطيع أن تعلم حماري القراءة والكتابة؟!
فأخذتني الحمية , وقلت :
اعلمه على أن تمهلني عشر سنين . فوافق الملك على التحدي ,وقرر صرف راتب لي في هذه المدة . فلما خرجت من مجلس الملك , اقترب مني أحد الاصدقاء , وقال لي :
يا احمق ! كيف توافق على هذه المهمة ؟
فقلت له :
في هذه السنوات العشر : إما أن أموت انا, أو يموت الملك , أو يموت الحمار ؛ فمن منا الاحمق ايها الذكي ؟ !
وقال ايضا : كنت عائدا من الحقل , وقد حملت حماري بالحشائش الجافة ,
فأردت أن اجرب : هل تشتعل أم لا ؟.....
فقربت نار ؛ فوجدت اللهب قد اندلع على ظهر حماري فانطلق صوب الحقل : إلى أين أنت ذاهب أيها الغبي , إن كنت عاقلا لأسرعت إلى النهر
وقال ايضا-
طرق جار لي بابي وطلب مني أن اعيره حماري وكنت أريد ألا أعيره أياه فقلت له :
معذرة فلقد ذهب ابني بالحمار الى السوق .وما كدت اتم كلامي حتى ملأ هذا الحمار الاحمق البيت نهيقا وجلبة !
فقال جاري :انك تكذب يا جحا ها هو الحمار يملأ البيت نهيقا وأنت تقول انه في السوق ..
فقلت له : يا جاري العزيز أتصدق الحمار ولا تصدق جارك جحا ؟ !
وقال ايضا
مررت يوماً برجل غريب عن بلدتنا يأكل طعاماً فاخراً، وكان الجوع قد بلغ مني مبلغاً شديداً... فسلَّمتُ على الرجل جلست بجواره لعله يدعوني لآكل معه...
وانتظرت طويلاً ولكنه استمر في التهام طعامه إليَّ شزراً بين الحين والحين.
ثم قال لي: من أنت؟ ومن أين أتيت.
فقلت له: أنا جحا، وقد أتيت من حيّكم الآن.
فقال: أتعرف حيّنا؟!
فقلت: نعم أعرفه.
فقال: أتعرف ابني مروان؟
فقلت: نعم، إنه يلعب في الحي ويرعى الغنم.
فقال: وكيف حال أم مروان زوجتي؟!
فقلت: بخير، وفي أحسن حال.
وأخذ يسألني وأنا أجيبه لعله يدعوني إلى الطعام، ولما وجدته منهمكاً في الأكل متجاهلاً إياي.
قررت أن أنغص عليه طعامه، فتظاهرت بالانصراف.
وقلت له: نسيت أن أخبرك أن حيكم قد أصابه وباء، وأنتشر فيه اللصوص خاصة بعد موت كلبكم.
فقال: وما سبب موته؟
فقلت: لأنه أكل كثيراً من لحم جملكم.
فقال: أمات الجمل أيضاً؟!
فقلت: نعم، لقد تعثَّر في قبر أم مروان، فذبحه الجيران ووزَّعوا لحمه بينهم.
فقال مذعوراً: وهل ماتت أم مروان كذلك؟!
فقلت: ماتت حزنا ًعلى موت ابنك مروان.
فقال: أو مات مروان أيضاً؟!!
فقلت: نعم تهدمت عليه الدار، ومات تحت الأنقاض.
فقام الرجل يجري جزعاً تاركاً طعامه، فهجمت على الطعام، وأخذت آكل حتى شبعت بعد جوع، وقلت لنفسي:
هكذا حال اللئام... لا تأكل في أفراحهم قدر ما تأكل في مصائبهم
كان جحا وابنه على طرفي النقيض في بعض السلوك فكلما أمره أبوه بشيء عارضه قائلاً : وماذا يقول الناس عنا إذا عملناه ؟ وأراد الأب جحا أن يلقن الابن درساً ينفعه ويجعله ينصرف عن محاولة إرضاء الناس لأن رضا الناس غاية لا تدرك فركب حماراً وأمر ابنه أن يسير وراءه ولم يكد الراكب والماشي يمضيان بضع خطوات حتى مر ببعض النسوة فتصايحن في جحا : ما هذا أيها الرجل أما في قلبك رحمة تركب أنت وتدع الصغير يجري متعباً من ورائك . فنزل جحا عن الحمار وأمر ابنه بالركوب فمرا بجماعة من الشيوخ جالسين في الشمس فدق أحدهما كفاً بكف ولفت أنظار الباقين إلى هذا الرجل الأحمق الذي يمشي ويدع ابنه يركب وعلق على هذا بقوله : أيها الرجل تمشي وأنت شيخ وتدع الدابة لهذا الولد وتطمع بعد ذلك أن تعلمه الحياء والأدب . قال جحا لابنه : أسمعت تعال إذاً نركب الحمار سوياً وركبا ومضيا في طريقهما وصادفا جماعة ممن يصح أن نسميهم ( أعضاء جمعية الرفق بالحيوان ) فتصايحوا بالرجل وابنه ألا تتقيان الله في هذا الحيوان الهزيل أتركبانه معاً ووزن كل منكما أثق من وزن الحمار ؟. قال جحا وقد نزل وأنزل ابنه : أسمعت ؟ تعال إذن لنمشي معاً وندع الحمار يمضي أمامنا حتى نأمن مقالة السوء من الرجال والنساء وأصدقاء الحيوان . ومضيا والحمار أمامهما يمشي فصادفا طائفة من الخبثاء الظرفاء فاتخذوا من حالهما مادة للعبث والسخرية وقالوا : والله ما يحق لهذا الحمار إلا أن يركبكما فتريحاه من وعثاء الطريق . وتمضي القصة فتقول : إن جحا سمع كلام الظرفاء الخبثاء فذهب وابنه إلى شجرة في الطريق فاقتطعا فرعاً قوياً من فروعها وربطا حمارهما عليه وحمل جحا طرفاً من الفرع وحمل الابن طرفه الآخر . ولم يمضيا على حالهما خطوات حتى كانت وراءهما زفة من الناس تضحك من هذا المنظر الفريد الذي أنهاه رجل الشرطة حين ساق جحا وابنه والحمار إلى مكان يوضع فيه المجانين ( مستشفى الأمراض العقلية ) . وحين انتهى المطاف بجحا إلى مستشفى المجاذيب كان عليه أن يوضح لابنه خلاصة التجربة التي بلغت غايتها فالتفت إليه يقول : هذه يا بني عاقبة من يسمع إلى القيل والقال ولا يعمل عملاً إلا لأجل مرضاة الناس . وكان درساً وعاه ابن جحا وحفظه لنا التاريخ .
منقووووووووول